الورم الوعائي في الدماغ من أنواع الأورام الحميدة، وقد يولد بها الشخص كتشوه خلقي منذ الولادة فيطلق عليه حينها ورم وعائي خلقي، أو يصاب بها الشخص نتيجة لبعض من العوامل، فيظهر الورم في صورة انتفاخات دموية صغيرة الحجم متعددة الكهوف، ولكن لا ترتبط الإصابة بذلك النوع من الشذوذ الوعائي بجنس أو مرحلة عمرية معينة، فما هي الأعراض البارزة لذلك التشوه الوعائي؟ وكيف يمكن تشخيصه بصورة صحيحة؟ وما هي خطط العلاج المثالية للتعامل معه؟
الورم الوعائي في الدماغ (Cavernous hemangioma)
وهو ما يطلق عليه الورم الوعائي الكهفي أو الورم الوعائي الغائر (CCMs)، وفيه تتوسع الجدران الرقيقة للأوعية الدموية المغذية لخلايا الدماغ بطريقة غير طبيعية مسببة لنوع من الورم والذي يعمل على إعاقة سريان الدم بصورة صحيحة، كما تضغط على أجزاء معينة من الدماغ مؤثرة على كفاءة عمل تلك المنطقة، وهي من الأورام الحميدة في الغالب ولا يزيد حجمها عن 3 سم، ولكن ترجع خطورة ذلك المرض إلى ما قد يسببه من نزيف دموي ناتج عن الضغط على تلك الأوعية الدموية المتمددة. وتتفاوت خطورة ذلك المرض تبعًا لمكان الإصابة، فالورم الواقع في المخ أقل حدةً وضررًا مقارنةً بالورم في جذع المخ.
أسباب الإصابة بالورم الوعائي في الدماغ
العوامل الوراثية والطفرات الجينية أهم أسباب ذلك المرض غير السرطاني، وهذا ما يظهر بوضوح في الاختبار الجيني للتعرف على النوع الموروث من الورم، وفيها يتوارث الفرد جينات حاملة لذلك الشذوذ الوعائي. كما قد تنتج الإصابة بذلك الورم الوعائي نتيجة الخضوع لفترات من العلاج الإشعاعي البؤري للدماغ؛ في حين لم يتم الكشف عن أسباب أخرى واضحة للمرض في وقتنا الحالي.
والجدير بالذكر فإن نسبة الإصابة بالورم الوعائي في المنطقة العليا من الدماغ تصل إلى 80% من المصابين، بينما يصيب الورم الفصوص الأمامية بنسبة تقارب 65%، كما تظهر الأورام الوعائية في المخيخ بنسبة 8% من الحالات.
أعراض الورم الوعائي في الدماغ
عادةً لا يظهر على المصاب بالأورام الوعائية الدماغية أي أعراض خطيرة بارزة بما يمثل 25% من المصابين بالمرض، فهو قادر على التعايش معه لفترات طويلة من عمره، حتى يتم الكشف عنها عند خضوع الشخص لأي نوع من أنواع الفحوصات التصويرية للدماغ مثل أشعة الرنين المغناطيسي، أما في الحالات التي تصاحبها بعض الأعراض المرتبطة بالورم والناتجة بشكل أساسي عن النزف الدموي المتكرر بالدماغ، فتظهر في صورة:
- الصداع الحاد.
- الغثيان والرغبة في القيء.
- حالة من التنميل أو الشلل العضلي ببعض أجزاء الجسم.
- فقد التركيز وتشتت الانتباه.
- الضعف العام والتعب المستمر.
- نوبات من التشنج العصبي.
- اضطرابات حركية وتشنجات عضلية.
- التلعثم واضطرابات النطق.
تشخيص الورم الوعائي في الدماغ
تحديد الإصابة بالورم الوعائي وتشخيصها بشكل دقيق هو أساس التعامل مع المرض بطريقة صحيحة، والذي يحتاج إلى عدد من الفحوصات والاختبارات؛ أولها التعرف على الأعراض المصاحبة للمصاب ثم إجراء بعض الفحوصات السريرية والاختبارات المعملية وذلك لاستبعاد أي أسباب مرضية أخرى لتلك الأعراض، بالإضافة إلى بعض الاختبارات الجينية لتحديد الطفرات الوراثية المتعلقة بهذا التشوه الوعائي في الدماغ، كما يتم اللجوء إلى التصوير الطبقي المحوري للدماغ (CAT) أو تصوير الرنين المغناطيسي (MRI) لتحديد مكان وطبيعة الورم بشكل دقيق، وقد يحتاج الأمر في بعض الأحيان إلى الحصول على عينة من الورم أو ما يطلق عليه الفحص النسيجي أو الخزعة الدماغية لفحصها مجهريًا.
علاج الورم الوعائي في الدماغ
تختلف طرق العلاج المتبعة لعلاج ذلك النوع من المرض تبعًا لحالة المريض وحدة الأعراض الظاهرة، مع عمر المصاب وطبية جسمه والتاريخ المرضي له، والطبيب المختص هو الوحيد القادر على تحديد خطة العلاج المناسبة للمريض تبعًا لتلك العوامل مجتمعة بعد الملاحظة الدقيقة لتطور الورم وآلية نموه، وقد تحتاج تلك العملية إلى التكامل بين نوعين أو أكثر من طرق العلاج المستخدمة في ذلك الصدد، وهي:
- التدخل الجراحي لاستئصال الورم وتتوقف جدوى ذلك الإجراء على موقع الورم وإمكانية الوصول إليه.
- العلاج الإشعاعي وهو العلاج الأنسب في حالة صعوبة الوصول إلى الورم، أو تفادي العرض لمخاطر التدخل الجراحي.
- الأدوية والعقاقير الطبية والتي تساعد في السيطرة على الأعراض القاسية الناتجة عن الورم الوعائي في الدماغ.
- العلاج الكيميائي للعمل على وقف نمو الورم الوعائي، وهو من العلاجات محدودة الاستخدام لذلك النوع من الأورام.
مضاعفات الورم الوعائي الدماغي
بالإضافة إلى زيادة حدة الأعراض المصاحبة للورم الوعائي وتدهور حالتها والتي تؤثر على الكثير من نواحي حياة المريض في بعض الحالات، فقد تكمن خطورة ذلك الورم فيما يتسبب به من اضطراب للتروية الدموية في منطقة الإصابة وما ينتج عنه من نزيف دموي، والذي قد يصل إلى الإصابة بجلطات دموية خاصةً في حالة الورم الوعائي في الفص العلوي من المخ والذي قد ينتج عنه عجز عصبي تام فيما يعادل 25% من حالات الإصابة بالورم، كما يمكن أن تؤدي تلك الأورام إلى فقدان أحد حواس الحس كالبصر إذا كانت الإصابة في جذع الدماغ، بالإضافة إلى تتضاعف الإصابة إلى عدد من الأورام الوعائية الكهفية في الدماغ، الأمر الذي يزيد من مخاطر ذلك التلف العصبي المتفاقم ليصل إلى الإصابة بسكتة دماغية قد تؤدي إلى الوفاة.
التأهيل النفسي والجسدي بعد العلاج
في حالة تأثر الشخص ببعض الخلل العضوي والعصبي نتيجة الإصابة بذلك النوع من الورم الدماغي أو التعرض للعلاجات الإشعاعية المختلفة أثناء رحلة التعافي من المرض، فقد يحتاج إلى فترة من التأهيل المكثف لاستعادة سيطرته على وظائف جسده بالكامل، ليعود إلى التفاعل مع المجتمع المحيط به والقيام بمهامه المعتادة بصورة طبيعية، على أن يتم ذلك تحت إشراف مباشر ومتخصص، ومن أهم خطط التأهيل المتبعة في ذلك الصدد:
- جلسات التخاطب لتحسين مهارات النطق والكلام، والتي قد تتضرر كعرض من أعراض الورم الوعائي في الدماغ.
- جلسات العلاج الطبيعي لتحسين مهارات الحركة واستعادة سيطرة الجسم على العضلات ووضع استراتيجيات تعويضية للمتضرر منها.
- التأهيل المهني والوظيفي.
في الختام، فإن التعامل المبكر والمناسب مع الورم الوعائي في الدماغ من خلال العلاجات المختلفة في وقتنا الحالي غالبًا ما يعود على المريض بنتائج مرضية جدًا، خاصةً مع ما شهده المجال الطبي من تطور في السنوات الأخيرة، حيث يستطيع المريض العودة لممارسة حياته الطبيعية وأنشطته اليومية بصورة كاملة، مع التخلص من أعراض ذلك الورم القاسية نهائيًا، ولكن سيحتاج المريض حتى الوصول إلى مرحلة التعافي التام إلى الدعم المعنوي والنفسي من المحيطين به لتزداد قدرته على مواجهة ذلك المرض والتغلب عليه في أقرب وقت.